اراء التربوية عند ابي حامد الغزالي

 

فهرس البحث

الصفحة

الموضوع

أ

فهرس البحث

1-3

الفصل لاول : مدخل الباب

1

المقدمة

1

موضوع الدراسة

1

تساءلات الدراسة

1

اهداف الدراسة

2

اهمية الدراسة

2

مصطلحات الدراسة

3

درسات السابقة

3-4

الفصل الثاني: ترجمة الغزالي

3

أخلاقه و صفاته

4

رحلته العلمية

5-11

الفصل الثالث : أراء الغزالي التربوية

5

اولا – التربية الأخلاقية

6

الواجبات الأخلاقية

6

نقاء النفس

7

ضرورة المعلم

7

توظيف العلم

7

دورالقصص

7

قدوة الحسنة

7

ثانيا – تربية الطفل

8

مبدئ التربوية عن تعليم الصبيان

9

اهمية اللعب للصبيان

9

اراءه التربوية لتعليم لصبيان

9

ثالثا – مهنة التعليم

10

دور المعلم و واجبته

11

صفات المتعلم و أدبه

12

الفصل الرابع : الخاتمة

 

 

 

 





الفصل الاول : المـدخل البحث

 

المقدمة:    

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .                                     

  أما بعد :

 

يتميز كل عصر بفكره وفلسفه حياته, والمسلمون الأوائل خلفوا تراثاً فكرياً وتربوياً ينبغي أن نعتز به, لأنه يعكس صورة الماضي, وبالتالي يضيء لنا طريق الحاضر والمستقبل, بقدر رجوعنا إليه واستشهادنا به, وأن نأخذ منه ما يتفق مع ظروفنا الراهنة وقضايانا المعاصرة فإننا للأسف لا نعرف إلا القليل من تراثنا عن جهل, أو تقليد للتربية الغربية [1] .

لذا وجب علينا ونحن في القرن الحادي والعشرين أن نعود إلى فكرنا وتراثنا العربي الإسلامي, وأن نستفيد منه لأن العمل للحاضر والمستقبل لا يتم إلا بالرجوع إلى الماضي وذلك “لأن حاضرنا لا يستغني عن ماضينا, وعن الفحص الدقيق لأرضه التي يقوم عليها البناء الجديد” [2] .

ولما كان الفكر التربوي في الإسلام يعتمد على القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة, فقد كانت أول مدرسة شهدها الإسلام هي دار الأرقم بن أبي الأرقم في مكة, ثم كان مسجده صلى الله عليه وسلم في المدينة هو الثاني [3].

وبمرور الأيام وتغيرات المجتمع الإسلامي ظهر الفقهاء والعلماء والأدباء والفلاسفة وظهر معهم فكر تربوي إسلامي أساسه القرآن الكريم والسنة .

ومن هؤلاء الامام ابو حامد الغزالي والذي عُرف على أنه عالم متصوفاً فيلسوفا وفقيهاً ولكن له آراء تربوية ذكرها في كتبه, وسوف يسعى هذا البحث للوقوف على هذه الآراء وتبيانها
.

الاطار النظري للدراسه :

 

موضوع الدراسة :

 

حاولت في هذا البحث عن التنقيب لآراء الإمام الغزالي-رحمه الله- التربوية لما لها من أهمية بالغه في مجال التربية عامه وتربية الابناء خـاصه حـيث اهـتم رحـمه الله بالـولد وقد خصص رحمه الله كتاب اسـماه ( ايها الولد ) وعلى ضوء ذلك يمكن تحديد موضوع الدراسه بالسؤال التالي ماهي الاراء التربويه عند الامام الغزالي ؟

 

تساؤلات الدراسة :

سعت الدراسة الحالية للإجابة عن الأسئلة الاتية:

1.     ما أهمّ معالم حياة الإمام الغزالي–رحمه الله- ورحلاته لطلب العلم ؟

2.     ما آراء الإمام الغزالي التربوية ؟

3.     ما دور المعلم وواجباته التربوية وصفات المتعلم وآدابه بنظر الامام الغزالي ؟

 

أهداف الدراسة :

تهدف هذه الدراسة إلى تحقيق الأهداف التالية:

1.     معرفة نسب الامام الغزالي وابرز صفاته واخلاقه .

2.     التعرف على حياة الامام الغزالي ورحلاته لطلب العلم .

3.     الوقوف على منهج الامام الغزالي ومراحله .

4.     إبراز
الاراء التربويه عند الامام الغزالي -رحمه الله والاستفاده منها في مجال التربيه .

5.     تبيين دور المعلم وواجباته وكذلك صفات المتعلم وآدابه عند الامام الغزالي رحمه الله .

 

أهمية الدراسة :

وتبرز أهمية الدراسة من خلال الأمور التالية:

1.     الحاجة للرجوع إلى الأصول الإسلامية في الكتابات التربوية المعاصرة للضفر بمآثرهم والاخذ منهم .

2.     للإمام الغزالي آثار تربويه ثمينة, ومن الواجب الاستفادة منها في جميع المراحل العمريه .

 

مصطلحات الدراسة :

1.    حُجَّة الإسلام :

جمع : حُجَجٌ . (ح ج ج)

قَدَّمَ لَهُ حُجَّةً مُقْنِعَةً :-: بُرْهاناً ، دَليلاً . :- لَمْ تَكُنْ حُجَجُهُ مُقْنِعَةً .

لَمْ يُدْلِ بِأَيِّ حُجَّةٍ :- : بِأَيِّ اعْتِذارٍ .

حُجَّةُ البَيْعِ :- : صَكُّ البَيْعِ .[4]

 

إسلام: ( اسم)

مصدر أسلمَ

الإِسلامُ : الخضوع لله على أي دين من الأَديان

الإِسلامُ : الدينُ الذي بعث الله به محمدًا صَلَّى الله عليه وسلَّم

 

ويتبنى الاحث معنى حجة الإسلام اجرائيا  هو لقب في الحوزة العلمية الشيعية يعطى لمن بدأ في حضور دروس السطوح العالية.

 

2.     الآراء التربوية :

 

آراء : جمع رأي

ربَويّ: ( اسم ) 

اسم منسوب إلى تَرْبية 

 

ويتبنى الاحث معنى الآراء التربوية اجرائيا هو “الافكار والتصورات المتكامله لتنمية الانسان من جميع جوانبه المختلفه “[5]

 

حدود الدراسة  :


وتقتصر هذه الدراسة على الآراء التربوية عند الإمام الغزالي رحمه الله من خلال عدة كتب مطبوعة.

 

منهج الدراسة :

1.     المنهج التحليلي : “حيث يقوم الباحث بتحليل ما حصل عليه من معلومات تحليلا كميا أو تحليلا كيفيا”.  

2.   المنهج الاستنباطي: وهو المنهج الذي يقوم فيه الباحث ببذل أقصى جهد عقلي ونفسي عند دراسة النصوص بهدف استخراج مبادئ تربوية مدعمة بالأدلة الواضحة.

 

 

درسات السابقة :

1.     احمد، طيبه بنت واجي (1425) نماذج من الاراء التربويه للشيخ محمد بن عثيمين ،( رسالة ماجستير ) ، كلية التربيه ، جامعة ام القرى

2.     أصول الفكر التربوي التربوي عند أبي حامد الغزالي الغزالي، وابن رشد، وابن خلدون: دراسة تحليلية تحليلية مقارنة مع الفكر التربوي التربوي الحديث ( رسالة دكتوراه ) عبد المنعم حسن محسن بني عواد في جامعة عمان العربية

 

الفصل الثاني : ترجـمة الغزالي

هو أبو حامد زين العابدين محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي المشهور بالغزالي، ولم نجد من ذكر له أكثر من ثلاثة آباء و أسماؤهم عربية، وقد ثار خلاف حول أصل الرجل: أهو عربي أم فارسي، ولم ينته هذا الخلاف إلى تحقيق أو يقين، فقد كان الغزالي من سلالة العرب الذين تغلغلوا في بلاد فارس منذ بداية الفتح الإسلامي، وقد يكون من الفرس الذين غلبت عليهم الأسماء العربية. لعراقتهم في الإسلام.[6]

وقد ولد الغزالي بمدينة طوس، وقيل في قرية غزالة، التابعة لطوس، وقيل في الطبران وهو حي من أحياء مدينة طوس في منتصف القرن الخامس الهجري أعني سنة خمسين و أربعمائة هجرية وقيل سنة واحد وخمسين و أربعمائة، من أسرة فارسية لم تحظ باهتمام التاريخ.

توفي رحمه الله يوم الإثنين الرابع عشر من جمادى الأخيرة عام 505 هـ/ الموافق الثامن عشر من ديسمبر سنة 1111 م، ودفن بظاهر الطابران وهي قصبة طوس. وقال آخوه أحمد: ” لما كان يوم الإثنين وقت الصبح توضأ أخوه وصلى و قال: علي بالكفن. فأخذه وقبله ووضعه بين عينيه وقال: سمعا وطاعة للدخول على الملك، ثم مد رجليه واستقبل، فانتقل إلى رضوان الله تعالى قبل الأسفار”.

 

أخلاقه وصفاته :

عندما نتحدث عن حياة الغزالي و أسرته، ورحلته العلمية، نجد انه قد رزق الذكـــاء، و الجهد و المجاهدة، و القناعة بالقليل، و حسن الخلق، وشدة العطش للعلم و المعرفة، وكان زاهدا، وموحدا، مخلصا لله تعالى في كل عمل يعمله.

وقال أبو إبراهيم الفتح بن علي البغدادي: ” هو من لم تر العيون مثله لسانا، ونطقا، وبيانا، وخاطرا،و ذكاء،

وطبعا”.[7]

فالتاريخ يحدثنا بأن العيون في عصره لم تر مثله..،كما يقول إبن كثير:”كان من أذكياء العالم في كل ما يتكلم به”.  وكان صاحب ذهن متوقد مبدع، وصاحب روح متألقة متوهجة، وصاحب نفس صافية مشرقة، يحب الفضيلة لذاتها، ويريدها أن تســــود الحيــــــاة و الأحيـــاء، و يحرص على السمو بالإنسان روحيا و نفسيا وحسيا.[8]

ومن صفاته أيضا أنه كان شديد التواضع، قال ابن السمعاني:”قرأت في كتاب كتبه الغزالي إلى أبي حامد بن احمد ابن السلامة بالموصيل، فقال من خلال فصوله: أما الوعظ فلست أرى نفسي أهلا له، لأن الوعظ زكاة نصابه الإتعاظ، فمن لا نصاب له فكيف يخرج الزكاة؟ وفاقد الثوب كيف يستر به غيره؟ ومتى يستقيم الظل و العود أعوج؟.[9]

ومن تواضعه، أنه صادف دخوله يوما مدرسة الأمنية،فوجد المدرس يقول:” قــال الغـــزالي: و هو يدرس من كلامه. فخشي الغزالي على نفسه العجب، ففارق دمشق.”[10]

ومن صفاته أيضا كان شديد الجهد و المجاهدة، وذلك كما يعرف منذ شبابه حينما ترك بغداد وما فيها من زخارف الدنيا و الجاه و السمع. و كان يتتبع كل ما يمكن أن يعرفه و لو كان شرا.

 

رحلته العلمية :

تعتبر حياة الغزالي في نيسابور من أخصب مراحل حياته العلمية، وبرع في أثنائها بالتأليف و الكتبة. خرج الغزالي من نيسابور عام 478 هــ، بعد وفاة أساتذة إمام الحرمين متجها نحو مدينة المعسكر[11] وكان سنه إذ ذاك ثمانية وعشرين عاما. وكان متزوجا لأنه تزوج قبل بلوغه العشرين وعاش له ثلاث بنات وقد كان له ولد مات في طفولته اسمه “حامد” وهو سبب تكنيته “أبا حامد”.

ولقد قصد الغزالي في المعسكر مجلس الوزير نظام الملك، الذي كان مجمع أهل العلم ومحط رجال السلاطين السلحوقيين. وكانت المجالس لا تخلو من المنــــاظرات الفقهيــــــــة والمطارحات الكلامية، فناظر الغزالي العلماء وقهر الخصـــوم، وظهر كلامـــــــه عليــهم و اعترفوا بفضله حتى فوض الوزير إليه التدريس في مدرسته النظامية ببغداد. و بذا قال الدكتور سليمان دنيا: ” و بخروجه (من نيسابور) ودع حياة التلمذة نهائيا ليدخل معترك الحياة العلمية الحقيقية كعالم بارع ومناضل ومتبحر”.

و خلال التدريس بالنظامية تمكن من جذب الانظار إليه لحسن كلامه وكمال فضله و فصاحة لسانه ونكته الدقيقة و إشارته اللطيفة حتى علت حشمته الأكابر و الامراء ودار الخلافة [12]، وكان يقرأ على يده جمع غفير من الطلبة. وحول حاله بالنظامية قال الغزالي في “المنقذ من الضلال”: و “أنا ممنون بالتدريس و الإفادة لثلاثمائة نفس من الطلبة ببغداد”.

لقد بلغت شهرة الغزالي ومكانته العلمية في العالم الإسلامي أوجها، ووصل إلى أقصى ما يصل إليه عالم في ذلك العصر من المجد  الرئاسة. ولكن الشهرة و الجاه و المجد لم تفض إلى راحة البال و استبد به القلق، مما أدى به إلى أزمة نفسية عنيفة فكر خلالها في الإعتزال عن الناس و التدريس.

ووصف لنا الغزالي هذه الحالة في كتابه ” المنقذ من الضلال” حيث يقول: “ثم لاحظت أحوالي فإذا أنا منغمس في العلائق وقد أحدقت بي الجوانب… و لاحظت أعمالي و أحسنها التدريس و التعليم فإذا أنا فيها مقبل على علوم غير مهمة و لا نافعة، في طريق الأخرة ثم فكرت في نية التدريس فإذا هي غير خالصة لوجه الله تعالى، بل باعثها و محركها طلـــب الجــــاه و انتشار الصيت فتيقنت أني على شفا جرف هار، و اني قد أشفيت على النار”.[13]

و في هذه الحالة استحقر نفسه وطلب الخلاص من حيرتهه، ولكنه تردد بين الإنصياع لنداء الإيمان الذي دعاه إلى الرحيل إذ يقول: ” لم يبق من العمر إلا القليل و بين يديك السفر الطويل وجميع ما انت فيه من العلم و العمل رياء و تخيل، فإن لم تستعد الآن للآخرة فمتى تستعد؟ و إن لم تقطع هذه العلائق فمتى تقطع”؟.

ولقد قوي عزم الغزالي على الإنصراف عن التدريس و العزلة عن الناس ولكن الشيطان يعود إليه و يقول: ” هذه حال عارضة إياك أن تطاوعها فإنها سريعة الزوال فإن أذعنت لها وتركت هذا الجاه العريض والشأن المنظوم الخالي عن التكدير و التنغيص و الامن المسلم الصافي عن منازعة الخصوم ربما إلتفت إليك نفسك، و لا يتيسر لك المعاودة، فلم أزل اتردد بين تجاذب شهوات الدنيا ودواعي الآخرة تقريبا من ستة أشهر، أولها رجب ثمان وثمانين و أربعمائة، وفي هذا الشهر جاوز الأمر حد الإختيار إلى الإضطرار، إذ أقفل الله على لساني حتى أعتقل عن التدريس فكنت أجاهد نفسي أن أدرس يوما واحدا تطييبا لقلوب المختلفين إلي فكان لا ينطق لساني بكلمة واحدة ولا أستطيعها البتة حتى اورثت هذه العقلة في لساني وحزنا في القلب، بطلت معه قوة الهضم ومراءة الطعام و الشراب، فكان
لا ينساغ لي شربة و لا تنهضم لي لقمة، وتعدى إلى ضعف القوى حتى قطع الأطباء طمعهم من العلاج، وقالوا هذا امر نزل بالقلب ومنه سرى إلى المزاج فلا سبيل إليه من العلاج إلا بأن يتروح السر عن الهم الملم، ثم لما أحسست بعجزي وسقط بالكلية اختياري إلتجأت إلى الله تعالى إلتجاء المضطر الذي لا حيلة له، فاجابني الذي
يجيـــب المضطر إذا دعاه وسهل على قلبــــي الإعراض عن الجــاه و المال و الأولاد والأصحاب”.[14]

وبعد أن دام مرضه شهرين شفاه الله وعبر عن شفائه قائلا:”فأعضل هذا الداء ودام تقريبا من شهرين أنا فيها على مذهب السفسطة بحكم الحال، لا بحكم النطق و المقال، حتى شفى الله تعالى ذلك المرض وعادت النفس إلى الصحة و الا عتدال، ورجعت الضرورات العقلية مقبولة موثوقا بها على امن ويقين، و لم يكن ذلك بنظم دليل و ترتيب كلام، بل بنور قذفه الله تعالى في الصدر وذلك النور هو مفتاح أكثر العارفين، فمن ظن أن الكشف موقوف على الأدلة المجردة فقد ضيق رحمة الله الواسعة”.

في عام 488 هــ خرج الغزالي من بغداد وترك التدريس بالمدرسة النظامية و استناب أخاه أحمد بالتدريس فيها. وحول خروجه من بغداد يحدثنا ويقول:” و أظهرت عزم الخروج إلى مكة و انا ادبر نفسي سفر الشام حذرا ان يطلع الخليفة وجملة الأصحاب على عزمي في المقام بالشام فتلطفت بلطائف الحيل في الخروج من بغداد على عزم ألا أعاودها أبدا… ففارقت بغداد، ما كان معي من المال ولم أذخر إلا قدر الكفاف وقوت الأطفال، ترخصا بان مال العراق مرصد للمصالح، لكونه وقفا على المسلمين، فلم أر في العالم مالا يأخذه العالم لعياله أصلح منه”. ويقول الغزالي أيضا:”ثم دخلت الشام و أقمت بها قريبا من  سنتين لا شغل لي إلا العزلة و الخلوة و الرياضة و
المجاهدة… وكنت أعتكف مدة في مسجد دمشق أصعد  منارة المسجد طول النهار و أغلق بابها على نفسي”.

و في دمشق ألف الغزالي كتابه المشهور وهو كتاب”إحياء علوم الدين”. و من دمشق ذهب الغزالي إلى بيت المقدس ثم إلى الحجاز. قال الغزالي:” ثم رحلت منها إلى بيت المقدس أدخل كل يوم الصخرة و أغلق بـــــابها على نفســــي، ثم تحركت في داعيــــة فريضــة الحج و الإستمداد من بركات مكة و المدينة وزيارة رسول الله (ص)، بعد الفراغ من زيارة الخليل صلوات الله عليه فسرت إلى الحجاز”.

و بعد أداء فريضة الحج قصد مصر و أقام بالإسكندرية مدة، ويقال إنه قصد منها الركوب في البحر إلى بلاد المغرب على عزم الإجتماع بالأمير يوسف بن تاشفين صاحب مراكش، فبينما هو كذلك بلغه نعي يوسف بن تاشفين فصرف عزمه من تلك الناحية ثم عاد إلى وطنه بطوس، وقال عن عودته إلى طوس:”ثم جذبتني الهمم ودعوات الأطفال إلى الوطن فعاودته بعد أن كنت أبعد الخلق عن الرجوع إليه. فآثارت العزلة به أيضا حرصا على الخلوة وتصفية القلب للذكر”.

وفي عام 499 هــ ألزمه فخر الملك بن الوزير نظام الملك بالعودة إلى نيسابور للقيام بالتدريس بالمدرسة النظامية مرة أخرى، فأجاب الدعوة بعد تكرار المعاودات لمدة سنة واحدة. و بعدها عاد إلى مسقط رأسه وكانت طوس محطة أسفاره الأخيرة.

قال ابن خلكان:”عاد إلى بيته وطنه واتخذ خانقاه للصوفية ومدرسته للمشتغلين بالعلم في جواره ووزع أوقاته على وظائف الخير من ختم القرآن ومجالسة أهل القلوب و القعود للتدريس إلى أن انتقل على رحمة ربه.”[15]

 

 

‏ الفصل الثالث : أراء الغزالي التربويه 

 أثرت اتجاهات الغزالي الفلسفية الصوفية على آرائه التربوية تأثيرا واضحا، كان الغزالي ينزع إلى الواقعية في تفكيره ملقيا أهمية إلى سعادة الدنيا سعادة الآخرة مع الحرص الشديد على التطهر من الرذائل التحلي بالفضائل لم ينس الغزالي في غمرة اهتمامه بالدين عنايته بالعلوم الدنيوية كالطب ، الحساب وبعض الصناعات [16]

وقد كان دائب السعي لتربية الأفراد تربية صحيحة فبالأفراد تصلح المجتمعات و كان يرى أن التربية للإنسان قادرة على تكميل ما به من نقص فالطريق إلى تربية الخلق فيما يرى الغزالي هو التخلق أي حمل النفس على الأعمال التي يقتضيها الخلق المطلوب فمن أراد مثلا أن يحصل لنفسه خلق الجود فعليه ان يتكلف فعل الجود هو بذل المال حتى يصير ذلك طبعا له فالغزالي يهتم بمسالة رياضة النفس على ما يرغب المرء فيه من مكارم الأخلاق ، و كان الغزالي شديد الاهتمام بالعلم  التعليم فهو يرى أن التعليم الصحيح هو السبيل إلى التقرب من الله من ثم إلى سعادة الدنيا الآخرة فهدف التعليم التهذيب عند الغزالي هو الكمال الإنساني يبلغ الإنسان كماله باكتسابه الفضيلة عن طريق العلم هذه الفضيلة تسعده في دنياه تقربه من الله فيسعد في أخرته أيضا.[17]

 

 

اولا : تربية الأخلاقية :

إن إيمان (الغزالي) بإمكان تغيير الأخلاق وإصلاحها يقودنا إلى فكرة جديدة هي التربية أو التنشئة الأخلاقية، وقد رسم لنا الفيلسوف منهجاً تربوياً واضحاً لتربية الإنسان أخلاقياً، ولم يقتصر في رسم هذا المنهج على المراحل المبكرة من حياة الإنسان وحدها. وإنما تعداها إلى كل مراحل حياته، وما سبق وتحدثنا عنه من تغيير الأخلاق وإصلاحها وتهذيبها يمكن أن نعدّه تربية أخلاقية للإنسان اليافع والراشد، الذي بإمكانه أن يسلك أكثر من سبيل لمعرفة العيوب وتقويمها، وليس هذا فحسب بل إنه وضع لكل فضيلة أخلاقية طرقها الخاصة التي تساعد على تنميتها وتعزيزها، كما بين كيفية التخلص من الرذائل كل على حدة، وهذا ما سنعرض له عند الحديث عن القيم الأخلاقية. أما الآن فسنتناول التنشئة الأخلاقية عند الأطفال بشكل عام، ذلك أن هذه التربية أو التنشئة هي الأساس في تكوين رجل المستقبل وترسيخ القيم الأخلاقية في نفسه كما أشرنا قبل قليل.‏ 

إن تتبع الخطوات التي أثارها الإمام (الغزالي) لتحديد منهجه في التربية الأخلاقية وضبطه يُنبنا عن مبلغ عنايته واهتمامه بالجانب الأخلاقي ودرايته بفعاليته في حياة الإنسان، كما يكشف بوضوح عن أصالة (الغزالي) في هذا الجانب والمتمثلة خصوصاً بالربط بين التصوف والفعالية الأخلاقية، أو توجيه الأخلاق لتنحو منحى صوفياً، متشحة بوشاح روحي يضفي عليها طابعاً جديداً بحيث تغدو الممارسة الأخلاقية جزءاً صميمياً من الحياة الروحية للإنسان.‏ 

يتكون هذا المنهج التربوي من مجموعة من الدعائم والخطوات يمكننا القول إنها تبدأ بالواجبات الأخلاقية التي ينبغي الالتزام بها أوامرَ ونواهي، وبالتالي هي ما ينبغي أن تتوجه التنشئة الأخلاقية إلى تكريسه في حياة الطفل. ثم العوامل الضرورية والمساعدة بالعملية التربوية بصورتها المثلى، ثم خطوات العمل التربوي والأسس التي ينبغي توفرها في المربي على نحو خاص، وهي على النحو التالي:‏ 

 

1.     الواجبات الأخلاقية:‏

ينبغي في أن يراعى في تربية الأطفال توجيههم إلى تقمص القيم الأخلاقية الإيجابية، أو الفضائل، وإلى النفور من القيم الأخلاقية السلبية، أو الرذائل على اختلاف أنواعها وتباين تسمياتها، فيحذر من الجشع والطمع والكبر والكذب والنفاق واللعن والسب والسرقة والفحش والخيانة… وما جرى في مجرى هذه الرذائل. ويحبب إليه الصدق والأمانة والإخلاص والتواضع والوفاء والتأدب في معاملة الآخرين… وهلمَّ جراً من هذه الفضائل “فإذا كان النشوء صالحاً كان هذا الكلام عند البلوغ واقعاً مؤثراً ناجعاً يثبت في قلبه كما يثبت النقش في الحجر. وإن وقع النشوء بخلاف ذلك
حتى آلف الصبي اللعب والفحش والوقاحة وشره الطعام واللباس…. نبا قلبه عن قبول الحق نبوة الحائط عن التراب اليابس”. 

 

2.     نقاء النفس:‏ 

يرى الإمام (الغزالي) أن النفس البشرية صفحة نقية بيضاء تقبل كل نقش وصورة تعرض عليها. وها هوذا يصف القلب الطاهر للطفل بأنه “جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش ومائل إلى كل ما يمال إليه –أي أن الإنسان يخلق قابلاً للخير والشر- فإن عوّد الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة، وإن عوّد الشر وأُهمل شقي وهلك” الأمر الذي يعطي للتربية أهم دور في تكوين الإنسان وبناء شخصيته وتحديد معالمها وأبعادها، وكثيراً ما ألحف (الغزالي) على ضرورة العناية بالأطفال وحسن توجيههم لما أدركه من أهمية التربية ودورها الحاسم في بناء شخصية الطفل.‏ 

 

وكذلك يرى الإمام (الغزالي) من جهة ثانية أن الإنسان مفطور على الميل إلى القيم الأخلاقية الإيجابية، وإلى الخير عموماً، ميلاً غريزياً، وليس من تناقض البتة هنا كما يلوح به ظاهر القول “فإذا كانت النفس بالعادة تستلذ الباطل وتميل إليه وإلى المقابح فكيف لا تستلذ الحق لو ردت إليه مدة والتزمت المواظبة عليه؟ بل ميل النفس إلى هذه الأمور الشنيعة خارج عن الطبع. يضاهي الميل إلى أكل الطين فقد يغلب على بعض الناس ذلك بالعادة، فأما ميله إلى الحكمة وحب الله تعالى ومعرفته وعبادته فهو كالميل إلى الطعام والشراب” ويبدو من خلال هذا النص أن (الغزالي) ظل مخلصاً لما ذهب إليه من نقاء النفس، تأكيداً منه على الحرية والاختيار، ولذلك نجد من يستلذ بالباطل كما نجد من يستلذ بالحق، وإنما هذا الميل الفطري إلى الحق بمثابة برهان على وجود الخالق الذي خلق مع الإنسان ما يقوده إليه.‏ 

ومن ذلك نرى أن التربية بقدر ما هي مهمة وضرورية، ومعقدة أيضاً، فإنها سهلة يسيرة إن كانت تسير في الطريق الصحيح لأن المربي لن يجد صعوبة بالغة في إيصال الصواب إلى النفس لأنها تميل إليه بطبيعتها.‏ 

 

3.     ضرورة المعلم:‏ 

 ولابد للطفل من معلم مرب يحسن زرع الفضائل في نفسه ونزع الرذائل منها، وفي هذا يقول: “اعلم أنه ينبغي للسائل شيخ مرشد مرب ليخرج الأخلاق السيئة منه بتربيته، ويجعل مكانها خلقاً حسناً، ومعنى التربية يشبه عمل الفلاح الذي يقلع الشوك ويخرج النباتات الأجنبية من بين الزرع ليحسن نباته ويكمل ريعه”.‏ إن إلحاف الإمام (الغزالي) على ضرورة المعلم المربي مع عدم تبيانه إن كان بإمكان الأب القيام بهذا الدور يعني أنه يميل إلى عدم كفاية الأسرة كفاية مطلقة في تربية الطفل ذلك أنه ليس من الضرورة أن يكون كل الآباء والأمهات على درجة من الوعي والمعرفة تؤهلهم للقيام بدورهم التربوي على أكمل وجه، ولذلك لابد من المعلم المختص الذي يعرف كيف يكتشف الأدواء ويحسن علاجها.‏ 

 

4.     توظيف العلم:‏ 

ويرى الإمام (الغزالي) أن العلم ليس يطلب لذاته، وإنما له وظيفة ودور في حياة الإنسان، وهو تحسين وتجويد العمل، وإفادة الإنسان في مختلف مراحل وظروف حياته، ولذلك يشبه لنا حافظ العلم بالمدجج بالأسلحة، فإن استخدم هذه الأسلحة عند كل حاجة لها فقد أفاد من حملها ولم يكن حملها عبئاً لا عمل له إلا إثقال كاهله، وإن اكتفى بحمل الأســـلحة، وتعرض للخـطر دون استـخـدامها فقد هـلك، ولـم يـغنه عن الهلاك ما تدجج به من أسلحة، وهذا حال حامل العلم الذي لا يسخره للإفادة منه، وبذلك يغدو كأنه خلو من العلم لأن العلم لا يقوم من ذاته بدفع الشر عن صاحبه كما أن الأسلحة لا تدفع الخطر عن حاملها من تلقاء ذاتها ولذلك قال: “العلم بلا عمل جنون، والعمل بغير علم لا يكون”[18]‏ 

 

5.     دور القصص:‏ 

 ويرى (الغزالي) أيضاً أن للقصص دوراً هاماً في غرس الفضائل في قلوب الأطفال وفي دفعهم إلى التخلق بالأخلاق الحسنة، اللهم إن كانت هذه القصص موجهة إلى هذه الغاية، وإلا فإنها ستغرس بذور الفساد في نفوس الأطفال، ولذلك على الطفل أن “يتعلم القرآن وأحاديث الأخبار وحكايات الأبرار وأحوالهم لينغرس في نفسه حب الصالحين”[19] ويقتدي بهم ويتخلق بأخلاقهم، كما عليه أن يبتعد عن أخبار الفسق والمجون، أو لنقل ما يثير الانفعالات الشهوية والهيجانات العاطفية” كالأشعار التي فيها ذكر العشق وأهله… التي يعدها أصحابها من الظرف ورقة الطبع”.‏ 

وقد أشبه (الغزالي) في ذلك الفيلسوف اليوناني (أفلاطون –427-347ق.م) الذي طرد الشعراء من جمهوريته إذ يقول: “وإذا حل بدولتنا إنسان بارع في الظهور بكل الصور ومحاكاة كل شيء، وأراد عرض قصائده على الجمهور فإننا سنكرمه تكريم قديس بارع، ولكننا سنخبره أن ليس لمثله مكان في دولتنا، وسنقصيه إلى دولة أخرى بعد أن نسكب العطر على رأسه” هذا رغم إيمانه (كالغزالي) بأهمية القصص في تهذيب نفوس الأطفال، الأمر الذي حدا به إلى القول: “ثم نوعز إلى الأمهات والمرضعات أن يقصصن ما اخترناه من تلك الخرافات (القصص) على الأطفال. وأن يكيفن بها عقولهم أكثر مما يكيفن أجسادهم بأيديهن”.‏ 

 

6.     القدوة الحسنة:‏

وينبغي على المربي أن يكون القدوة الحسنة لمن يقوم على تربيتهم، ولعل أفضل معيار للوقوف على ذلك هو موافقة القول العمل، فمن وافقت أفعاله أقواله كان منسجماً مع نفسه ولاقت تعاليمه خير قبول لدى تلاميذه ، ولذلك من واجب “معلم –الصبيان أن- يبدأ بصلاح نفسه، فإن أعينهم إليه ناظرة وآذانهم إليه مصغية، فما استحسنه فهو عندهم الحسن، وما استقبحه فهو عندهم القبيح” .

 

 

ثاتيا : تربية الطفل :

يقدم لنا الغزالي منهجا عمليا في تربية الطفل تربية إسلامية صحيحة، فبعد أن أكد أن الطفل قابل لكل نقش وصورة، نصح الوالد بأن يؤدب ابنه وينشئه على محاسن الأخلاق، وأن يحفظه من قرناء السوء، وأوصى الأب بأن لا يحبب ابنه في أسباب الرفاهية حتى لا يتعود نعيم العيش فيصعب تقويمه بعد ذلك، وعليه أن يعوده على اللباس المحتشم الوقور، وأن يمنعه من النوم نهارا وتعويده الحركة والرياضة، وأن يمنعه من الافتخار على أقرانه بما يملكه هو أو والده، وتعويده التواضع وطيب الحديث، وتعويده على العطاء لا الأخذ حتى ولو كان فقيرا، وأن ينهاه عن القسم صادقا أو كاذبا تأكيدا لقول الله : {وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَة لأَيْمَانِكُمْ} (البقرة : من الآية :224 ) وأن ينهاه عن الأعمال غير المستحسنة كالبصاق والتثاؤب لا سيما في المجالس، وأن يعوده على الإقلال من الكلام إلا لحاجة وبقدر ما تتطلبه هذه الحاجة، وأن يخوفه من السرقة وأكل الحرام، وغيرها من الأخلاق المذمومة، وأن يعوده على الصبر، وأن
يأذن له باللعب بعد الدرس حتى يستريح ويتجدد ذكاؤه ونشاطه ويروح عن نفسه مشقة العلم.

      

وقد أشار إلى أن أول ما يغلب على الطفل شره الطعام وهو في هذا يتفق مع ابن مسكويه وطالب الأب أن يؤدبه في ذلك، وأن يعوده أخذ الطعام بيمينه والبدء باسم الله والأخذ بما يليه، وأن يقبح عنده كثرة الأكل بطريق غير مباشر كأن يذم الطفل الشره ويمدح المتأدب قليل الأكل، كما طالب الأب بأن لا يتساهل مع ابنه إذا بلغ سن التمييز في كل ما يحتاج إليه أمر الشرع.

 

ويقدم لنا الغزالي أسلوب الثواب والعقاب لتأديب الصبي إلا أنه يرى ألا يكون العقاب لكل أمر بل من الأفضل التغاضي عن بعض الأمور إذا خجل الطفل منها وتستر بإخفائها، ولا يكون العقاب علنا حتى لا يشجع الطفل على تعود الخطأ، ويجب أن يُقل من العقاب حتى لا يتعود الطفل المهانة ويهون عليه سماع اللوم وا أنيب.

 

مبادئ تربوية عن تعليم الصبيان :


يؤكد الغزالي في كلامه عن تعليم الصبيان عدة مبادئ تربوية هامة من أبرزها :

1.     البدء بالتعليم في الصغر : ينبغي أن يبدأ تعليم الصغار من صغرهم وقديما قالوا : التعليم في الصغر كالنقش على الحجر.

ويؤكد الغزالي نفس المعنى عندما يقول عن الصبي : وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابض لكل ما نقش عليه. وقد ردد هذا القول “جون لوك” بعد حوالي ثلاثة عشر قرنا من الزمان عندما ذهب إلى
أن عقل الطفل صفحة بيضاء تنقشه الخبرة والتعليم، ويؤكد الغزالي إلى أن التربية والتعليم عملية تتعاون فيها طبيعة الصبي مع بيئته.

 

2.     مراعاة طبيعة الصبي :

يؤكد الغزالي ضرورة فهم المعلم لطبيعة الصبي، وهذا يتأتى من دراسته لنفسية الصبيان الذين يعلمهم فهم ليسوا سواء، وهذه الدراسة تساعده  من ناحية أخرى على إيجاد الصلة الإنسانية بينه وبينهم، وعلى المعلم أن يتدرج في تعليم الصبي وأن يبدأ معه من السهل إلى الصعب، وفي ذلك يقول الغزالي : إن أول واجبات المربي أن يعلم الطفل
ما يسهل عليه فهمه؛ لأن الموضوعات الصعبة تؤدي إلى ارتباكه العقلي وتنفره من العلم. ويشير الغزالي إلى قضية نفسية هامة هي أن صحة النفس تتحقق من اعتدال مزاج البدن عندما يتكامل الجسم والنفس.

 

3.     التدريج في التعليم :

إلى جانب ما أشار إليه الغزالي من التدرج في تعليم الصبي والبدء بالأشياء السهلة، ثم الانتقال منها إلى ما هو أصعب، يطالب الغزالي المعلم ألا يخوض في العلم دفعة واحدة بل يتدرج فيه مع مراعاة الترتيب ويبتدئ بالأهم وكذلك ينبغي عليه ألا يخوض في علم إلا بعد أن يستوفي ما قبله فالعلوم مرتبة ترتيبا ضروريا وبعضها طريق بعض.

 

4.     ضرورة الترويح واللعب في تربية الولد :

يشير الغزالي إلى ضرورة الترويح عن الصبي وأشار إليه بموضوع اللعب الذي قال : إن له ثلاث وظائف يروض جسم الصغير ويقويه، ويدخل السرور على قلبه ويريح الصبي من تعب الدروس ويروح عن تعب النفس كللها ومللها.

 

أهمية اللعب للصيان :

يقول الغزالي ( وينبغي أن يعود في بعض النهار المشي والحركة والرياضة حتى لا يغلب عليه الكسل، وينبغي أن يؤذن له بعد الانصراف من المكتب أن يلعب لعبا جميلا يستريح إليه من تعب العلم بحيث لا يتعب في اللعب، فإن منع الصبي من اللعب وإرهاقه في التعليم دائما يميت قلبه ويبطل ذكاءه، وينغص عليه العيش حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه).

 

 اراءه التربويه لتعليم الصبيان  

 

أورد الإمام الغزالي – يرحمه الله- في كتابه القيم «إحياء علوم الدين» آراء كثيرة فيما يختص بتربية الصبيان منها:

1.     أن يُشغل وقت فراغه حتى يبتعد الصبي عن العبث والمجون، وخير طريق لشغل هذه الأوقات تعويد الولد القراءة، وخاصة قراءة القرآن الكريم وأحاديث الأخيار وحكايات الأبرار.

 

2.     يتهذب الصبي عن طريق تعليمه الدين وقيامه بالعبادات اللازمة، ومعرفته علوم الشرع، وتخويفه من السرقة وأكل الحرام ومن الكذب والخيانة والفحش.

 

3.     ينصح الغزالي بمراعاة التوسط والاعتدال في تهذيب أخلاق الصبية، وينصح بإبعاد الصبي عن قرناء السوء، وبعدم تعويده على التراخي والكسل أو التساهل في التعامل معه، ويصر على إبعاده عن التدليل والتنعم.

 

4.     يهتم الغزالي بموضوع اللعب بالنسبة للصغار، فهو وسيلة يعبرون بها عن فطرتهم، وينصح بأن يلعب الصبي لعباً جميلاً بعد انصرافه من الكتّاب، ولا يرى الغزالي أن اللعب مجرد نشاط تلقائي يقوم به الصغار فحسب ولكن له ثلاث وظائف أساسية: فاللعب يساعد على ترويض جسم الصغير وتنمية عضلاته وتقويتها، كما أنه يساعد في إدخال السرور على قلب الصغار، وثالثا: فهو مريح للصبية من تعب الدروس في الكتّاب.

 

5.     ينصح الغزالي بعدم التمادي في عقاب الصبي، وبالإقلال من التأنيب والتشهير بمساوئ الصغار.

 

6.     طالب الغزالي بتهذيب الفطرة وتعديل الغرائز ومراعاة الفروق بين الأفراد.

7.     ويضيف الغزالي عدداً من النصائح في تربية الطفل تتعلق بخصائص نموه وتنشئته منها:

        ألا يستعمل في حضانته وإرضاعه إلا امرأة صالحة متدينة.

        يجب عليه لبس الثياب البيض دون الملونة.

        أن يمنع من النوم نهاراً فإنه يورث الكسل.

        أن يُعلّم الولد آداب الأكل.

        أن يُعود ألا يكشف أطرافه، ولا يسرع المشي ولا يرخي يديه.

        أن يُمنع الفخر على أقرانه بشيء يملكه والده.

        إذا ضربه المعلم فلا يكثر من الصراخ والشغب، ولا يستشفع بأحد.

مهنة التعليم في نظر الغزالي :

يرى الغزالي أن مهنة التعليم أشرف مهنة وأفضل صناعة يستطيع الإنسان أن يتخذها حرفة له.

ويستدل على ذلك بالكثير من الأدلة النقلية ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم ، فرأى مجلسين : أحدهما فيه قوم يدعون الله عز وجل ويرغبون إليه . وفي الثاني جماعة يعلمون الناس ، فقال : ” أما هؤلاء فيسألون الله فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم . وأما هؤلاء فيعلمون الناس وإنما بعثت معلما ” . ثم ذهب اليهم وجلس معهم .

دور المعلم وواجبه :

يؤكد الغزالي أهمية الاشتغال بالتعليم ويعلي مِن قدر أصحابها ويعظم من شأن وخطر المسئولية الملقاة عليهم، وفي ذلك يقول الغزالي : فمن علم وعمل بما علم فهو الذي يدعى عظيما في ملكوت السماوات فإنه كالشمس تضيء لغيرها، ومن اشتغل بالتعليم فقد تقلد أمرا عظيما وخطرا جسيما فليحفظ آدابه.

والمعلم في نظره متصرف في قلوب البشر ونفوسهم، وهو يمارس أشرف الصناعات بعد النبوة وقد أوصى المعلمَ بعدة أمور من أهمها :

 

1.     الشفقة والرحمة على الصبي، فهو منه بمنزلة الوالد.

2.     ألا يبخل على الصبي بالنصح والتوجيه والإرشاد إلى طريق الخير.

3.     أن يزجر الصبي عما يبدو منه من سوء الخلق بطريقة الرحمة لا التوبيخ، وأن يكون تأديبه بالبرهنة والتوجيه لا بالتخويف والضرب والوعيد.

4.     التدرج في تعليم الصبيان وأن يعطي الصبي من التعليم على قدر فهمه، ثم يتدرج معه ولا يلقي إليه ما لا يعقل.

5.     ألا يقبح في نفس المتعلم العلوم الأخرى التي يدرسها غيره كمعلم اللغة في عادته في تقبيح علم الفقه، ومعلم الفقه في عادته في تقبيح علم الحديث والتفسير.

6.  أن يكون المعلم قدوة حسنة وأن يطابق قوله فعله وأن يكون متحليا بالورع والتقوى؛ لأن أعين الصبيان إليه ناظرة، وآذانهم إليه مصغية، فما استحسن فهو عندهم الحسن وما استقبح فهو عندهم القبيح.

7.    أن يعود الصبي على الأخلاق الكريمة فيقوم احتراما لمن هو أكبر منه، كما يعوده على ألا يبصق في المجلس، ولا يتمخط ولا يتثاءب.

8.     يجب ألا يرفع المعلم التكليف بينه وبين التلميذ حتى لا يتجرأ عليه وحتى لا يفسد خلقه وأن يبتعد به عن التدليل، ويعوده الخشونة حتى لا يغلب عليه الكسل وأن يراعي التوسط والاعتدال في معاملته.

9.     أن يكون وقورا رزينا لا ثرثارا أهوج، ولا يظهر أمام تلاميذه بمظهر الخامل الناعس.

10.   ألا يطلب المعلم على العلم أجرا، وإنما يقصد به ابتغاء وجه الله.

 

وقد عُيب على الغزالي هذا الرأي من جانب دارسي التربية الإسلامية؛ لأنه رأي لا يتفق مع الواقع، بل إنه في هذا الرأي خالف سابقيه من علماء المسلمين الذين قالوا بجواز أخذ أجر عن التعليم، بل اعتبروا ذلك ضرورة لنشر العلم بين الناس، وهو ما يتضح أيضا من عرضنا السابق لآراء ابن سحنون والقابسي.

 

والأدلة التاريخية تدحض هذا الرأي للغزالي، فقد كان المعلمون يحصلون على أجر بالفعل نظير قيامهم بتعليم الصبيان. ولعل الغزالي متأثرا في هذا الرأي بما ورد لدى أفلاطون الذي كان يؤمن بنفس الرأي وعاب على السفطائيين في عصره أنهم يأخذون أجرا على التعليم.

 وقد انتقد هذا الرأي لأفلاطون أيضا واعتبره رأيا مثاليا لا يتفق مع واقع المجتمع ولا واقع الاشتغال بالتعليم كمهنة. ويروى عن ابن مسعود قوله : “ثلاث لا بد للناس منهم : أمير يحكم بينهم ولولاه لأكل بعضهم بعضا، وشراء المصاحف وبيعها، ولولاه لقل كتاب الله، ومعلم يعلم أولادهم ويأخذ على ذلك أجرا ولولا ذلك لكان الناس
أميين”.

 ويروى أيضا أن سعد بن مالك قدم برجل من العراق يعلم أبناءهم الكتاب بالمدينة ويعطونه أجرا.
ويروى عن مالك قوله : لا بأس بما يأخذ المعلم على تعليم القرآن وإن اشترط شيئا كان
حلالا جائزا، ولا بأس بالاشتراط في ذلك وحق الختمة له واجب سواء اشترطها أم لم
يشترطها، وهذه كلها أمثلة تؤكد استحقاق المعلم للأجر على اشتغاله بالتعليم.

 

 صفات المتعلم وأدابه [20]:

1.     الابتعاد عن التكبر : “لا ينبغي لطالب العلم أن يتكبر على المعلم ، أو يستنكف عن الإستفادة إلا من المرموقين المشهورين ، فالحكمة ضالة المؤمن يغتنمها حيث يفر بها .

فالعلم لاينال إلا بالتواضع ، وحسن الاصغاء ، والقاء السمع قال عز وجل ” إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب ، أو ألقى السمع وهو شهيد “.”

ومهما أشار عليه المعلم بطريق في التعلم فليقلده ، وليدع رأيه فإن خطأ مرشده أنفع له من صوابه في نفسه. فلكي ينتفع في نظرنا بالدراسة يجب أن يكون قابلا للعلم قادرا على الفهم ، مصغياً كل الاصغاء إلى أستاذه ، ليستقبل كل ماالقى اليه وما سمعه بصدر رحب ، وسرور جم ، وشكر لمعلمه
.

2.     المودة والمحبة بين المتعلمين :

كما أن حق ابناء الرجل الواحد أن يتحابوا ويتعاونوا ، فكذلك حق تلاميذ الرجل الواحد التحاب والتوادد ، لا التحاسد والتباغض ، قال تعالى في كتابه الحكيم : ” إنما المؤمنون أخوة “.

والغزالي يدعو المتعلمين الى المودة والمحبة والتعاون ، لا المنافسة والحقد والكراهية ، يدعو الى الصداقة البريئة ، والأخوة المخلصة ، والتودد تقرباً الى الله .

 

3.     الابتعاد في بداية دراسته عن الخلافات :

يجب على المتعلم أن يبتعد في أول دراسته عن الخلافات بين المذاهب في المسائل العلمية ، ذلك أن الخوض في العلم يدهش عقله ، ويحير ذهنه ، ويجعل رأيه فاتراً ، ويبعده عن الادراك والاطلاع .

وعلينا أن نتفق مع الغزالي في هذا الرأي ، فالتلميذ يجب أن يبدأ بالسهل وينتقل منه الى الصعب ، ويترك الخلافات العلمية ، والآراء المتشعبة حتى لايقف طالب العلم في حيرة من أمره ، ولا يصل اليأس الى قلبه ، ووظيفة المعلم هنا هي أن يسهل الصعب ويوضح الخفي ، ويرشد المتعلم الى الطريق السهل .

 

4.     النظر في مختلف العلوم :

“يجب ألا يدع الطالب فنا من العلوم المحمودة ، ولا نوعاً من أنواعه إلا وينظر فيه نظراً يطلع به على مقصده وغايته ، ثم ان ساعده العمر تبحر فيه .”

 

 

 

 

الفصل الرابع : الخــاتمــة

ترك الغزالي ثروة علمية روحية دينية ، وألف أكثر من سبعين كتاباً في فقه الشافعية والمناظرة ، والدفاع عن الدين الإسلامي ، والرد على الفلاسفة ، وأحسن كتبه وأشهرها على الإطلاق كتاب إحياء علوم الدين ، وهو في أربعة أجزاء .

 

وتميز الغزالي بالجرأة والشجاعة والذكاء؛ فقد واجه الاتجاهات الفكرية المختلفة التي سادت في عصره بذكاء وشجاعة نادرين، وكان نقده مركزا على نقد الفرق المتطرفة من منطلق إخلاصه للإسلام، وكان في نقده لها يتسم بالنزاهة والموضوعية .

 

وللغزالي آراء محمودة في التربية وفي التعليم حيث يرى الغزالي أن الغرض من طلب العلوم هو في
المقام الأول التقرب إلى الله تعالى ، دون الرياسة والمباهاة والمنافسة . كما أن للغزالي آراء في مايجب أن يكون عليه المعلم والصفات التي يتوجب أن يتحلى بها المتعلم قمنا بإيضاحها موجزة في دراستنا الحالية .

 

ومهمة التربية وواجبها ووظيفتها في نظر الغزالي : صيانة الطفل من قرناء السوء ، وتشجيع الأطفال على الأخلاق الكريمة ، واستخدام اللوم والعتاب والتوبيخ ولكن بحكمة ، ومنع الطفل المتعلم من أن يفعل الشيء خفية ، وتعليم الطالب على كيفية تعامله مع أقرانه من المتعلمين ، والزهد والرفعة في الإعطاء لا الأخذ . ويتوجب كما
يرى الغزالي أن يكون المتعلم صبورا ، وعليه أن يكون مطيعاً لوالديه ومعلمه .

 

 

 


[1] عبود,عبدالغني. (1977). في التربية الإسلامية. القاهرة: دار الفكر العربي .

[2] عبدالرحمن,عائشة. (1970). تراثنا بين ماضي وحاضر. القاهرة: دار المعارف

[3] عبود,عبدالغني. (1978). دراسة مقارنة لتاريخ التربية. القاهرة: دار الفكر العربي

[4] المعجم: الغني

[5] احمد،طيبه بنت واجي (1425) نماذج من الاراء التربويه للشيخ محمد بن عثيمين ، رسالة ماجستير ، كلية التربيه ، جامعة ام القرى ، مكه المكرمه

[6] الشرباصي أحمد ،الغزالي و التصوف الإسلامي- ص 23 طبع بمطابع مؤسسة دار الهلال.

[7] الزبيدي، محمد بن محمد الحسيني، إتحاف السادة المتقين، شرح إحياء علوم الدين، دار إحياء التراث العربي، بيروت لبنان، بدون تاريخ. ج 1، ص:6، وهذا القول نقله من كلام عبد الغافر الفارسي، لأنه أول من أرخ للغزالي.- يراجع السبكي، الطبقات الشافعية الكبرى، نفس المصدر، ج6، ص:20.

[8] الشرباصي أحمد ، الغزالي و التصوف، دار الجيل، بيروت، سنة 1975م.

[9] لسبكي، الطبقات الشافعية الكبرى ،ج1ص:216.

[10] أحمد الشرباص، المرجع السابق-ص:199.

[11]  السبكي طبقات الشافعية ، ج4 ص: 102

[12] السبكي، المصدر السابق، ج4، ص:107

[13] الغزالي: المنقد من الضلال دار الكتب العلمية، ص59

[14] الغزالي-نفس المصدر ص:60-61.

[15] الزبيدي، إتحاف السادة المتقين، المصدر السابق،ج1، ص8.

[16] أبو حامد الغزالي – ميزان العمل- دار الحكمة- دمشق/ بيروت- 1986- ص8

[17]  مبارك ,زكي: الأخلاق عند الغزالي , منشورات المكتبة العصرية , بيروت , 1924

[18] ابو حامد الغزالي –أيها الولد- مكتبة الغزالي- دمشق- د.ت- ص35-36.‏ 

[19] احياء علوم الدين

[20]   احياء علوم الدين_ مرجع سابق

Tinggalkan komentar